تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ❤️

بينَ العقلِ والشرعِ .

بينَ العقلِ والشرعِ .

بقلم دكتور / عمران صبره الجازوي

خلق الله العقلَ وميّز به الإنسانَ ، وجعله أداةً لتحصيلِ العلمِ الذي كُرّم بسببه آدمُ – عليه السلام – على سائرِ مخلوقاتِ الله – عز وجل – ، فالعقلُ أساسُ العلم ، ومناطُ التكليفِ الإلهي للإنسان ، والواقفُ على تاريخ الفرقِ الإسلاميةِ ليجدُ أن ثمة فرقاً قد ألغت العقلَ إلغاءً معيباً ، وقالت : على أبوابنا سجد العقلُ ، وأتت من عنديات أنفسها بأمورٍ لا يقبلها العقلُ فضلاً عن الشرع وكأنّ لسانَ حالها يقول لأتباعهم ومريديهم : لا تناقشوا فالمناقشة اعتراض ، ومن اعترض امترض ، ومن امترض انطرد من حظيرة القرب ، وفي المقابل يجدُ فرقاً أخرى قد أعلت من قيمة العقل ، ورفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها ، وجعلوا مردَّ التحسين والتقبيح إليه ، فما حسّنه العقلُ فهو حسنٌ ، وما قبّحه العقلُ فهو قبيحٌ ، وعند التحقيق نجد أن كلا طرفي الأمور ذميمٌ .
فالعقلُ مخلوقٌ مربوبٌ لله – تعالى – وله حدودٌ لا ينبغي له تجاوزها ، كما أن له مجالاتِ بحثٍ لا يتعداها فإلغاؤه ، أو تأليهه وإطلاق العنان له ؛ ليخوضَ فيما ليس له أن بخوضَ فيه أمرٌ غيرُ مستساغٍ ؛ لأن ثمة أموراً في الشرع تعبديةً محضةً لا دخلَ للعقلِ فيها يفعلها الإنسانُ وهو لا يدري ما الحكمة منها ، من ذلك مثلاً :
التوضئ من البولِ مع أنه نجسٌ ، والاغتسالُ من المنيّ بالرغم من طهارته فما كان اللهُ ليجعلَ أصل ذرية من خلقه بيده ، وأسجدَ له ملائكته من نطفةٍ نجسةٍ ، ولو حكمّنا عقولنا لكان البولُ أولى بالغسلِ من المنيّ ، ولكن ليميزَ اللهُ الخبيثَ من الطيبِ ، وليعلمَ من يمتثلُ أمره دون مناقشةٍ ، فيقولُ : سمعنا وأطعنا ، ومن يعارضُ ويناقشُ ويقولُ : سمعنا وعصينا ، ولله درُّ الإمام عليّ – رضي الله عنه – حينما قال :” لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخفّ أولى بالمسحِ من أعلاه … “
ومما تجدرُ الإشارة إليه أن العقل والنقل- أي الشرع – لا يتعارضان بحالٍ ؛ لأن العقلياتِ شرعياتٌ ، والشرعياتِ عقلياتٌ ، فالعقلُ الصريحُ – كما يقولُ ابن تيمية – لا يعارضُ النقلَ الصحيحَ يل يشهدُ له ويؤيده ؛ لأن المصدر واحدٌ فالذي خلقَ العقلَ هو الذي أرسلَ إليه النقلَ ، وإذا حدث تعارضٌ بين العقلِ والنقلِ فذلك لسببين لا ثالث لهما ، إما أن النقل لم يثبت ، أو أن العقل لم يفهم النقلَ ” إذن لا تعارض بينهما بحالٍ من الأحوال ، وإن بدا غير ذلك في الظاهر فالحقيقةُ تخالفه ، والخللُ عندئذٍ يكونُ في الباحثِ الذي لم يستوثق من صحة النقلِ تارةً ، أو لم يتمكن من الجمعِ والتوفيق بين الأدلة الشرعية والعقلية تارةً أخرى .
والعقلُ والشرعُ متكاملان لا يستغني أحدهما عن الآخر ، والعلاقةُ بين العقلِ والشرعِ كالعلاقةِ بين العينِ والضوءِ ، فإذا كانت العينُ لا تبصرُ إلا في وجودِ الضوء ، فكذلك العقلُ لا يهتدي إلا بوجودِ الوحي والشرع .
والواجبُ علينا خاصةً ونحن في زمانٍ كثرت فيه الفتنُ والشبهات العقلية أن ننزل عقولنا منزلتها اللائقة بها ، وأن لا نجعلَ من عقولنا حكّاماً على شرع الله ، ونقيمَ الأدلة العقلية في مقابلة الأدلة الشرعية فأولُ شبهةٍ وقعت في الخليقةِ – كما يقولُ الشهرستاني – شبهةُ إبليس – لعنه الله- ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص ، واختيار الهوى في معارضةِ الأمر ، واستكباره بالمادة التي خُلق منها ، وهي النار على مادة آدم – عليه السلام – وهي الطين ” بالإضافة إلى أن العقول لا تستقلُ بمعرفة الحق – سبحانه – وأحكامه ، ولو تمكنت من ذلك لما كان هناك حاجةٌ إلى إرسالِ الرسلِ ، وإنزالِ الكتبِ ، والحجةُ لا تقوم على العبادِ بوجودِ العقول بل ببعثِ الرسلِ مبشرين ومنذرين ، قال تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } سورة الإسراء آية 15
ولم يقل – سبحانه – : حتى نخلقَ عقولاً .

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏
تعليقات الفيسبوك
الرابط المختصر :

أضف رأيك و شاركنا بتعليقك

الإنضمام للجروب
صفحات نتابعها
الأكثر قراءة
مختارات عالم الفن
شخصيات عامة