تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ❤️

قنا…ثنائية الدم والحب

قنا…ثنائية الدم والحب

قنا…ثنائية الدم والحب
متابعة د.عبدالله مباشر رومانيا
بقلم الكاتب مصطفى جمعة الكويت
في البدء كانت …قنا

أنها قنا
البلد الحقُّ …
فيها انتظرْنا الزمانَ آلات ،
وفيها كتبنا حكاياتنا،
والقصائدَ فيها تولَــدُ مُشْـرَبةً بالعشق .
كنّـا إذا ما ترنّحَ منتصفُ الليلِ ، نرفعُ سقفَ الأغاني .
فيأتي إلينا الـمُـغَنّونَ من كل فَج ّعميقٍ .
ويأتي إلينا السقاةُ وقد أصبحوا الشاربِينَ .
مدينة ساكنة بين الجفون والاهداب .
لا خاسر في حبها.
أعوز بالله من كلمة أنا
أنا عاشق لترابك
أنا عاشق لكلامك
أنا عاشق لحوارك
انا عاشق لنهارك
انا عاشق لاحبابك
قنا هي وليدة ما كتبه السحاب على التراب من اشعار وحكايات وما نقشه التاريخ ب”إزميله” على اوتار موسيقاه ولذلك لا عجب تحلق في سماء من يزورها كالساحرات في جلسات استحضار الأرواح، انها الكيان الذي لطالما أسره سحر الكلام وعشق الخوض في المجهول. فسحرها هز شرايين المدى ، فطاف في الكون على اجنحة الفجر ، صدى يحمل عطرا وندى ، في توهج الاحلام التي تضي كالفسفور ، فتراه العين مثل الماس ، الذي يعانق الافق على ترابها كمرايا الصمت في الفيافي والوديان والجبال .
و تحتل مكانة مرموقة في المراجع التاريخية التي اوردت اسمها مقترن بجمال احتضان النيل لها ووصفها عدد من المستشرقين كطائر منتصر يغرد على قمم الجبال، عيناه تحاكي المستقبل ولم لا فهي نمت على حنان أغصان اشجارها التي في النهار ظل وفي الليل حراس تتطلّع من اعينهم اللهفة لعناق نور الشمس نحو الأمل بغياب الظلام في محاولة استعادة ذات تاهت بين نفس توّاقة وقلب يسير بلا وقود.
وقنا الحضارة التي اعتلت كل الجسور من عصر الخرافة الى عصرالاستفاقة تبقى حالة فريدة فكل ثانية فيها مهما تشابهت أو تطابقت لن يكون هناك مثلها أبداً، شمسها لها عبق خاص تنير الحياة وتمنح الدفء نطلبها، نريدها… هي فرحنا واحزاننا، هي الروح هي كل شيء… وربما لا شيء.
والليل فيها نجماته تتلألأ وسط السماء تماماً كفتاة خجولة بعيون حبيبها ويخترق النور غيماتها فتتكسر لتصطف تلك الألوان فتدق القلوب حباً على أوتارها شجنها الليلي وتتشابك الايادي تواعد الانفس بوعود تكتب نفسها في لحظات تحاكي تفاصيل السطور ألا وأن الوعد الأول يساوي المستحيل.
و زخات امطارها على رغم قلتها توقظ عشق البذور للنمو من جديد، ومن اجل هذا عندما يمر ليل فيها تنتظر كل يوم ضياء الشمس في يوم ربيعي تتفتح معه القلوب شغفاً بأجمل نبتة تغني بمختلف الألوان فألوانها ما هية الا انعكاس لشروق شمس الذي يمثل الارتجال في العزف الفردي او الجماعي بجمالياته من نقش ذكريات تحاكي لحظات الصمت عند تعانق الرموش حدقت العين.
ولذلك لا غرابة ان تكون أنشودة التاريخ،وعبير الأزمنة، وعطر الأمكنة،آية الإبداع في الدنيا، فهي فوق الارض زهرة، تذوب لهمسة مسكونة بالحسن والفرح النبيل، والنور نحوها يمد يديه كالظامئ الى عوالم خيالها فتقطف منه البريق والسحر الذي على صدر السهول الوارفة والزهورالباسمة التي يتعدد فيها الجمال وتتمازج الالوان ومن اجل هذا من يصل اليها يعش حالة لا حزن فيها ولاوجوم ولا تعب.
قنا…حُبلى بأسرار الأيام والفنون وبيوت السحر المعتق والزهور، فعليها ازهرت الحقول واومأت الفصول وغلفت دنياها احلام السنين فغاص التاريخ في عينيها من الجوى ورنا على افق اشتهائها فارتوى
قنا ….عصفورة عشقت الشجن فسكنت في اهدابه ، يحيطها من كل جانب هيامه الازرق ووهج ضحاه وشعاع همسه الذي يلاحق على سطحها العبير والندى في اجمل حدائقها الغناء التي تكونت بساحل المدى.
قنا جزيرة من الصفاء والحسن والسحر وكأنها مقطع يجيء من قصائد الايام ساطعاً كالصبح من ضوء الشموس، ومن رحيق الامكان الممزوج بالحلم والشهد والعبيروالبريق الذي فتح كنوز السندس بهمسة سكبت نسائم غسلت الدواخل بالعبق.
وتبقى قنا في موقعها الفريدة الذي يحتضنها فيه النيل ، جنة تسقي الأساطير ماء الغمام، فيتشقق الزمان ،ويرحل المكان متى ظهرت فوق عرش خريطة المحروسة فاتنةٌ، ومتى اشتعلت في يديها خطوط الكتابةِ على الصخور او على الاوراق ، وانهمرت من أنامل عشقها غيومُ الحروف التي تجمع بين النجوم والأقمار والعطاء زمنها الذي يبدأ منه الفجر.
ترسم قنا خارطة للزمان بلون قصب السكر، فتتضاحك فيها الألوان ،تحرسها الشمس ،وترعاها جبالها شرقا وغربا مروحة خضراء على جسد الصيف أو تميمة معلقة على صدر الأرض إلى حين.
قنا عروس فوق الوادي تحمل ألف جناح من أجنحة الطاووس،و تنسج فيها الموسيقى مهداً للأحلام ويبني القمر فوق سهلها برجاً من فضة، فتمشي القناديل عبر كتاب الزمان فتمطر قلب العصور سحاباً من الذكريات.
أرضها منذ فجر التاريخ سابحــة تُمجـد الله في ســـــــرٍ وإعــــلانِِ وطيور جبالها مقبـــلة كـــــأنها العــقد من حبات مرجـان وأنوار، بيوتها فوق الشامخات أضواء فرح في كـــل ناحــيـــــةٍ، واهلها ورودها في كل مكان يفوح منهم طيـب النسائم ورايتها ترقص منتشية ببهجتــهــا وطــيـــورها المتعددة الالوان والاشكال تسمعها تردد عــــــذب التغــاريـد.
نقشت في قلب الصخر طرقا تسلكها الأحلام، لا تترك من يصعد إليها إلا و تمتلئ يداه بضوء النجم لكونها حسنـاء فــاتنـة تتمتع بعذوبة الجمال السحري وريعان الدهشة الدرية فيها جمال الكون أجمعه وبها سحرُ الأماكن التي تسر العين وتجذبها، وأزهارها وأريجــها طــــيبُ الأنفاس كالعــــطـرِ.عزف الفردي او الجماعي بجمالياته من نقش ذكريات تحاكي لحظات الصمت عند تعانق الرموش حدقت العين. او عند
ولا ابلغ اذا قلت ان محبتها أعلى درجات التصوّف، لانها ليست بقعة على خريطة وانما خطًّا نورانيًّا في سماء الكون .
فليس هناك ما يعادل تأثير سماع اسمها على الإحساس، فيتحول الي نهر متدفق تجري فيه الألفاظ سخيّة ليس فيها كلمة ناشز ولا نغمةغريبة، ولا مقاطع نافرة. فهي كنز لا يفنى ونور يضيء دروبها الساحرة ، التي عجزت الزمن عن تفسير خلودها ، ذِكْرُها يليّن الصخور وعزيمتها تُروّض الوحوش، فهي ربّة الجمال وموطن التهذيب وساحة الذوق والأخلاق .
في قنا لا يسكنك البرد او الخوف او تعوزك الحاجة ، فانت هناك ما بين “حوض عشرة” وحتى مسجد سيدي عبدالرحيم ، تدفئك قلوب مملؤة بالحب ، لا تعرف الكره ، حتى في الاساءة ، وان كان شعارها لا تفريط فيما يمس الكرامة .وما بين الضفتين الحياة ( النيل او البحر في عامية اهل قنا) والموت (المقابر ) خلف مقام سيدي سبط رسول الله صلى الله وعليه وسلم عبدالرحيم القنائي ، تستطيع ان تمرح وتسرح مطمئنا لانك بين كفوف كل عملها تصفق لك اذا احسنت ، وتمنعك من الوقوع اذا تعرقلت ، وتدفع مسيرتك الي الامام اذا تراخيت ، وتقفزك الي عنان السماء اذا انتصرت .
و في قنا تستطيع ان تاكل”بليلة عم رضوان” او سندوتشات زبدة بالمربي من عند “برغوت” و تشرب شاي او قهوة على مقهى العمال في شارع الجمهورية وانت لا تعرف من يدفع ، لان الكلمة المعتادة عند عبده الطايش او جمال عبده متولي في كل الاحوال : الحساب ادفع .
وتأخذني الذكريات الي موطن الاحلام قنا بلد “ثنائية الدم والحب” ، ففيها كان اول درس في المسرح على يد المخرج العبقري حسن عبدالسلام . وفيها اول خطوة في تعلم الرقص الشعبي على يد العبقري خالد الذكر سيد جاسور مبدع الرقصات : “الدينية ” : هويتك هويتك يا طه هويتك…يا شيخ العرب ياسيد ياساكن قنا …عبدالرحيم احنا ولادك ..ساكنين في حماك وبركاتك .و رقصة “القلل القناوي” : الصيف ما بقاش عندنا حاجة … وقدرنا نقابله بمية حاجة …احنا اللي بدعنا التلاجة ، ورقصة “عمال التراحيل”: خبر ايه خبر ايه خبر ايه … القطر اتأخر ليه …يا خبر ليفوت طوالي …وريسنا وعدنا عليه …حنروح يا بوي على اسوان …حنفضي فيها ايام وليالي… جدي يا بوي بنى الخزان..وانا اللي حبني السد العالي ، و*رقصة “القهوة ” وغيرها من الراوائع والتي جعلت التلفزيون المصري في عز مجده يضع لقطات من الرقصة الدينية في “تتر ” الاعلان عن برامج رمضان الكريم في معظم السنوات الماضية .
*وفي قنا اول درس في الموسيقي لتعلم العزف على الة الكمان بواسطة أخي وتاج رأسي وعمري كله الموسيقار العبقري عبده اسماعيل الذي لم ياخذ حظه في الانتشار على مستوى الوطن العربي ، لكونه جاء في زمن العلامات المميزة في التلحين وعلى راسهم من جيل ما كان يعرف حينذاك بجيل الشباب المدهش بليغ حمدي ، وكانت الاغنية التي علمنى عزفها الاب الروحي عبده اسماعيل على الكمان هي “اهواك” حيث كانت فيما بعد مفتاح القلوب لفتيات لوس انجلوس في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الاميركية .
حيث قمت بعزفها بمهارة على بيانو في الحفل الذي اقامه المتطوعين في جامعة بيولا للاديان في منطقة لامارادا خلف الديزني لاند للبعثة الاعلامية المصرية في اولمبياد لوس انجلوس 1984 التي حصلت فيها من اللجنة المنظمة على الميدالية البرونزية لكوني كنت اصغر صحفي في و فد “ام الدنيا” ، وعندما رجعنا الي القاهرة اكرمني استاذي لويس جريس بصفحتين في مجلة صباح الخير تحت عنوان “صعيدي في اميركا” .
*وفي قنا تعلمت اول درس في “الايقاع” و الرجولة والشهامة والكرم والنبل في المواقف … من القلب الذي الذي يجسد انسان هو الانسانية بكل نبلها … شقيق الروح ورفيق الفؤاد ومهجة القلب صفوت لبيب سفين البططي .
*واول درس في التقديم الاذاعي من استاذي واستاذ الاجيال في عالم الميكرفون ابن قنا فهمي عمر عندما كنت اقدم من خلال اذاعة الشعب برنامج “مدينة من بلدنا” مع المذيعة اللامعة حينذاك نفيسة شاهين والمذيع الكروان فتحي عبدالكريم ومن اخراج فتحي حسن الشقيق الاكبر لكبير مذيعي الاخبار في التلفزيون المصري خيري حسن .
*واول درس في الوقوف امام كاميرات السينما في استوديو مصر عندما قام المخرج السينمائي العبقري شادي عبدالسلام في اجراء اختبار لي بعدما اختارني لتمثيل دور قائد المعبد في فيلم حلمه الذي لم يرى النور “اخناتون” .
*واول درس في القاء الشعر بالشكل السليم كان من الشيخ محمود عبدالوهاب الابنودي والد الشاعر الكبير عبدالرحمن عندما القى على مسامعنا قصيدته “منحة المنان في مدح سيد الاكوان في منزل اللواء العظيم والمحترم وابن الاكرمين المغفور له بأذن الله عبده عاشور النقيب والتي قام بتلحينها عبده اسماعيل وبثها التفلزيون المصري من خلال برنامج “وقولوا للناس حسنا” من تقديم استاذنا فؤاد شاكر ، حيث قال شيخنا الابنودي الكبير: ما شاقني شدو طيرا في الرياض شدا…ولا اغني يجيد اللحن والغردا
…ولا صيوت ولن اصبو لغانية.حوراء غيداء …يرمي لحظها الاسدا …ولا تعشقت ليلى ما حييت فتا
ولا بكت مقلتي اطلاها ابدا …لكن سبى مهجتي حادا حدا سحرا ميمما سادة من امهم سعدا.
*واول درس في عشق البنات كان من خلال رسائل الغرام التي كان يرسلها عزالعرب الديري حيث كانت مزيج من البلاغة بكل محتوياتها والاغاني بكل لهيبها والاشعار بكل شجنها .
وتتواصل الاولويات في ثنائية “الدم والحب” كلما اهاجت ذكريات عشق قنا فؤادي والهبت مشاعري واستفزت قريحتي ..
ايتها الحبيبة قنا تسكني في اعماق اعماقي فرغم البلاد والعباد اعاني من خواء لا مثيل له من راسي وحتى اخمص قدمي وانا بعيد عنك . لكن قلبي هناك على قهوة العمال ولعل لو سألتني الان الي اي مكان تشتاق في قنا ؟اقول من دون تردد او تفكير “قهوة العمال” ، التي عشنا فيها أجمل ايام العمر ، ولذلك هي سوف تعيش في اعماقنا كل العمر، واحتنا التي عشقت الشجن فسكنت في اهدابه ، يحيطها من كل جانب الصفاء والحسن والسحر ، وكأنها مقطع يجيء من قصائد الايام ساطعاً كالصبح من ضوء الشموس، ومن رحيق الامكان الممزوج بالحلم والشهد .
نعم هناك اماكن سحرتني و تسحرني في البلاد ال80 التي زرتها حول العالم ، ولكن لامكان يحتويني سواها ،رغم كل المغريات هنا وهناك ، تظل هي بيتي الاثير، فما أروع ان تتجول بين مقاعدها التي تعرفك وتحنو عليك قبل ان تعرفها، و تشتبك فيها بعناق حميم مع وجوه الناس الطيبة في الروح والجميلة في السريرة ،سواء من العاملين فيها ومنهم عبده الطايش وستيلو ومحمود . او من احبابنا روادها البسطاء في التصرف العظماء في العطاء وما اكثرهم ، فهم رفقاء عمر ومن موقعها الساحر تتفاعل مع كل شيء امامك على حيث الاتساع في شارع الجميل بكل ما فيه ، من محل الاعمام ال برغوت ارقى محلات العالم ، ومكتبة الحاوي وصاحبها العم صلاح الحاوي الذي جند كل ما فيها من أمهات الكتب والمراجع والقواميس والمجلات والصحف لمنحنا الثقافة بالحب ، وعجلات صلاح غانم ودكان صدقي ، ومحل اكسسوار العم محمد عبدالرحيم ، وبيت القران ، وطعمية الحمش ، واستوديو محمد الصغير مش للتصوير الضوئي، ومحل العم برسوم ، وشركة بيع المصنوعات ومخرطة خطاب ، وغيرها من المحلات و الاماكن ، ومن على مقاعدها ترصد كل الحياة ، وتتامل كل شيء حولك حتى دخان الشيشة التي انفاسها هيام أزرق .
وعلى وهج ضحى قهوة العمال ، وشعاع همس لياليها ، الذي يلاحق على سطحها العبير والندى ، في اجمل حدائقها الغناء ، التي هي حُبلى بأسرار الأيام والفنون وبيوت السحر المعتق والزهور، ازهرت العقول واومأت الفصول وغلفت دنياها احلام السنين ، فغاص التاريخ في عينيها من الجوى ورنا على افق اشتهائها فارتوى ، ولذلك لا يُقاس حُبّها بزمن، حيث يُسلّم كل حرف من أحرف اسمها إلى اللاّوعي، فيتحول في الأعماق بركانا ، يثور شوقا للحظة اللقاء وإن كانت حاليا خياليّة، حتى يأذن الله”
وتمتاز قهوة العمال ، عن غيرها بخصوصيتها المتفاعلة بين العقل والإحساس، ومن خلال هذه الملازمة وتدرجها وتماسكها مع الأساسات تخرج احرف اسمها من صدورنا ترانيم آتية من أعماق الذاكرة، رقصة الروح في معمعة الكتابة، أصداء جريان نهر الزمن، احتكاك الشكل بالمضمون عبر الموسيقى الخافتة و الصوت الداخلي، إيقاع تسلسل الصور والرؤى، من خلال أنين الأحشاء،و رقص اليد فوق الصفحة وخشخشة الورق، التي لها أعمق تأثير في الوجدان، لأنها تتسرب إلى دواخل المتلقي فتوقظ فيه جمرة السؤال والحنين إلى الجمال والتوق إلى إنسانيته الكاملة.
واذا كانت قنا هي عاصمة الشعر في العالم ، فأن قهوة العمال منصته ، ففي رواقها ولدت قصائد او قيلت اشعار لم يسمعها حائط في اي عمران باي مكان او زمان ، من اسماء خالدة في سماء الشعرالعربي حملت مشاعله في المواكب التي خرجت من «ام التاريخ» الى كل بقاع الجغرافيا منذ عهد الوزير العاشق البهاء ابن زهير والي الان وحتى يرث الله الارض ومن عليها ، ومنهم عبدالرحمن الابنودي،وأمل دنقل وعبدالرحيم منصور،مصطفى الضمراني ،عبدالرحيم حمزة ، حمدي منصور،صفوت البططي، وفتحي عبدالسميع ومحمود المغربي ،عزت الطيري ،عبدالستار سليم ،محمد حلمي فؤاد وممصطفى حلمي ، صلاح شملول ،أمجد ريان،سيد عبدالعاطي،عطية حسن،محمد عبده القرافي،احمد مرتضى عبده، احمد محمد حسن، محمد خربوش،عبدالحميد أحمد علي ، حمدي البوقي وغيرهم من الاجيال المتعاقبة،حتى قال البعض ان كل قنا شعراء ما عدا البقالين، لان البقال مشغول دائما بعملية البيع والشراء «من مساقف لملاقف لقباض الارواح».
وعلى قهوة العمال ولدت الحان وتزاوجت دروب الايقاعات مع اصوات المطربين والمغنين القنائين ومنهم سعدي عبدالرازق ومبارك غزالي وكرم الابنودي وعبدالفتاح النوبي ومحمد توفيق وسمير السويسي وتوفيق عبادي وعبدالفتاح الشريف والموسوعة الفنية عزت حتة ، وجلس عليها الحالمون بالغناء ، على امل فرصة ، ومنهم الان اصبح ملىء الاسماع وبعضهم تاه في زحام الحياة .
واستضافت قهوة العمال على مقاعدها ابن قنا البار ومحافظها عبدالمنصف حزين الذي كثيرا ما كان يأتي اليها سواء بمصاحبة الاب والاخ والصديق والمعلم ربان الثقافة في قنا محمد رمزي جمال الدين وأمين منظمة الشباب استاذي واخي الصديق الصدوق عبدالوهاب علي عثمان ، او بمفرده ، ليجلس مع احب الاشخاص الي قلبه كما كررها اكثر من مرة حيث قال اكثر مكان اجد فيه سعادة في محافظة قنا الممتدة من ابوتشت الي اسنا هنا في قهوة العمال حيث اضحك من كل قلبي مع شموعها الفنية غريب عمر شاكر وعبدالرحيم عمر وعزالعرب الديري ومصردان البحيري ومعروف خليل ورموزها الموسيقية العباقرة عبده اسماعيل وعريان متولي عبدالخالق صالح وعبدالفتاح ابوبكر وصفوت البططي وفتحي عبدالنعيم وفتحي مصطفى وقباري علي مصطفى ومحمد عباس وعبدالفتاح عطية والقائد الموسيقي الكبير محمد الصغير مش والقدير الكبير حسين مباركزبارة والرائع ابراهيم عمران والمايسترو مجدي اسحاق ، واباطرة الفنون الشعبية سيد جسور ومحمد حسن وصولا الي المصمم الحالي احمد فؤاد ، وشهدت قهوة العمال اثناء هذه الجلسات مناقشات عميقة لقضايا قنا ، لدرجة ان المحافظ فكر ذات يوم ان يكون اليوم المفتوح مع ابناء قنا على هذه القهوة لولا ضيق مساحتها .
وجلس في باحتها العديد من النجوم التي لمعت في سماء الفن على المستوين المصري والعربي، ومنهم ايقونة الدراملاالتلفزيونية وابن قنا وبالتحديد مركز اسنا المخرج العبقري نور الدمرداش والمخرج العبقري حسن عبدالسلام الذي اخرج لفرقة قنا المسرحية وصاروخ الكوميديا فؤاد خليل طبيب الاسنان الذي عشق قنا وانخرط في فرقتها المسرحية والمطرب العالمي محمد منير والممثل السينمائي والمخرج المسرحي حمدي الوزير والمخرج خيري بشارة وعدد من ابطال فيلمه “الطوق والاسورة” الذي مثل فيه من ابناء قنا كل من محمد نصر ياسين وسمير عبداللطيف ومعه عبدالله محمود واحمد عبدالعزيز وغيرهم.
‏اشتاق الي قنا …طعم السكر المخبوء في كل عيدان القصب ، وموكب الخضرة في الروح الممتد الي ما لا نهاية ،ونورس الشعر الذي يرتدي ثوبا منسوجا من البلور ، يتلألأ كهالة من نور ، تنشر البهجة فوق الصخور ، اغنية تعشقها الريح في سفوح الجبال.
اشتاق الي قنا… القادمة من ازمان سحيقة في القدم ، مثلها مثل امها مصر ، لكنها بثوب عرس اليوم ، فهي دائما منسوجة من ألق ، تحت قدميها سندس الغيم منصهرا في بوتقة احلامه الزمردية ، تنهل من النبع المتدفق من اعماق روحها، التي تسكنها الحكايات من كل مكان واوان ، الحان منبثقة من ارواح تعيش بخلودها الي ابد الدهر.
حروفي تتنفس الم في البعد عن قنا ، و يرسمني الحزن بريشته الي حد اني اشعر ان مشاعري الوان مبعثرة على لوحة من نار لا استطيع ان اجمع على سطحها شتاتي ، فهذا قلبي يركض في أوردة التيه ، وعقلي تتخاتل فيه الأفكار والكلمات في تداعيات الصمت المميتة،و قدمي تقتفي آثار الحسرات في صحراء قاحلة،رمالها اشواك وسراب وهجير.

“مقدمة كتاب “قنا…ثنائية الدم والحب”

تعليقات الفيسبوك
الرابط المختصر :

أضف رأيك و شاركنا بتعليقك

الإنضمام للجروب
صفحات نتابعها
الأكثر قراءة
مختارات عالم الفن
شخصيات عامة